Friday, August 15, 2014

التطوع .. أسلوب حياة .

























لماذا أتطوع ؟



ماذا سيعود على من تضييع وقتٌ وجهدٌ يمكننى استثماره فيما يعود على بالنفع ؟

ما المقابل لما أقوم به من أعمال وما أتحمل من أعباء سأنعم بالراحة بدونها ؟

 هذه الأسئلة وغيرها من أسئلة مشهورة تطرحها علينا نفس ركنت للراحة وعقل استسلم للمنطق ويرغب فى ايجاد سبب مقنع أو حافز أكيد لخوض هذا السباق ودخول هذا المضمار الذى يبدو بلا فائدة أو عائد مجز ,,

لماذا التطوع ؟

لو راجعت قناعاتك المادية لصدمك وجود متطوعين يبذلون أقصى جهدهم ويقضون جل أوقاتهم فقط من أجل الاخرين دون أى مقابل واضح يعود عليهم .. لا يتقاضون أجرا ولا يقوم جهدهم بمال ، 
وللأسف جميعهم يبدوا عليهم العقل والفطنة ، فما الذى خال عليهم وجعلهم يقعون فى هذه الهوة العقلية وما الذى يدعوهم لتضييع أوقاتهم سدى ؟

ربما لو تعرفت أسبابهم وتفهمت دوافعهم لأصبحت مثلهم .. ولذلك كان هذا المقال لمناقشة فكر هذه الفئة التى تبدو فى نظر العقلاء .. لا يعقلون .

بداية فطرنا نحن بنى الإنسان على إدراك أن لكل شئ مقابل ، وما من فعل إلا وله رد مساو .
فما مقابل التطوع ؟ 
وماذا يترتب عليه ؟

هل ترى أهمية الدين فى حياتك ؟
إذا لنرسل العنان لخيالنا ونتساءل عن مصير العالم لو كان تفكير أنبياء الله مماثلا لتفكيرنا ، ورفضوا خوض غمار الدعوة وتحمل مشاقها ، وبخاصة أنه لن يعود عليهم إلا العنت والمشقة والتكذيب والمحاربة ؟
لو ركن كل نبى لغنمه التى يربيها أو تجارته وصنعته التى يتقنها ، وقنع بالعيش لنفسه وكفاية أهله والسعى فقط على قوتهم .. ماذا كان سيكون شكل العالم ؟
ما الذى دعاهم لتحمل هذا الهم العظيم مضحين فى سبيله بالغالى والنفيس ؟


تدرك الان أهمية دورهم , ولا تتخيل الدنيا بدون خطواتهم فى اصلاحها ، ورغم ذلك قاموا بعملهم دون أى مقابل .. تطوعا لله ..
" يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجرى إلا على الذى فطرنى "
" يا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجرى إلا على الله "

لكن تعود وتقول أن الله اختارهم وخصهم بالدعوة والرسالة ، فهو فى حقهم تكليف وليس تطوع ..
إن سايرتك فى قولك فما تفسيرك لحال أصحابهم ممن تحملوا معهم هم الدعوة وخاضوا من أجلها الحروب ..
ولو لم يكن الخير فى فعلهم لما اختصهم الله لذلك وما اصطفاهم به ، وقربهم بقدر بذلهم فيه .

إذا فصلاح الأمة قام على التطوع ، وخير العالم وإعماره ما كان إلا بأيدى متطوعين ما توقفوا لحظة ليسألوا عما سيعود عليهم فى دنياهم .. ومع ذلك حازوا خيرى الدنيا والاخرة ..
فهذه ثمرة التطوع الخفية والتى لن يحوذها من يطلبها ، بل تبقى مدخرة للمخلصين .

بيدك القرار 
وعليك يقع مسئولية الاختيار ..
فإما أن تسلك طريق الأطهار الأخيار .. تسعى لإعمار الأرض وتحمل أمانتها التى اختصك الله بها وجعل جميع بنى جنسك قائما عليها " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان "
تعيش لهدف وغاية وحياة ليس لها نهاية وأثر تتركه من بعدك يشهد لك يوم القيامة .
أو تعيش لنفسك باحثا فى كل خطوة تخطوها عما يعود عليك وحدك بالنفع ، لا تهتم بحال العالم من حولك طالما لديك ما يشبعك .. 
عشت لنفسك فقصرت عمرك على حياتك ، ينتهى أثرك بموتك ، زائدة على الحياة لم تضف لها شئيا بل كنت متطفلا عليها ..
هل أدركت كم هو عاقل هذا المتطوع الذى لم ينظر تحت قدميه ، ولم يسع لحياة واحدة يقضيها لنفسه ؟
قال تعالى " ومن تطوع خيرا فهو خير له " نعم خير له من أى مقابل أو مال يتلقاه ، فأجر الله أعظم وانعامه أفضل .
ومن ذا لا يحب أن يشكره الله ، إذ كيف بشكر الله للعبد أن يكون ؟!
قال سبحانه " ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم " عطاء وإنعام وفضل وبركة وتوفيق ..

حسبتك المادية خاسرة بكل المقاييس ،
لن تقترب من درجة الأنبياء والرسل إلا بمشابهتك لفعلهم .. وما كانوا إلا متطوعين ، اختارهم الله واختصهم ، فاستعملهم .
ألا ترغب أن يستعملك الله ؟ فإنه لا يستعمله الله إلا من اختصه ورفعه .
فتعرض لنفحات الله وكن حيث يحب حتى تكون من المقربين .

ثمرات التطوع ..
وهى على كثرتها لا تعد ، حيث كرم الله ليس له حد
فيكفيك أنك سائر على خطى أفضل خلق الله 
فما التوفيق وبركة الوقت والعمر وجميل الخلق ومحبة الناس إلا بعض ما يضفيه الله على من اختصهم واستعملهم 
وهى ثمرة لا تخطئها عين ، ولن تخفى على صاحبها ، لكن شرطها الاخلاص ، وعلامتها القبول .

وبقدر بذلك الخير وعطاءك يكون امتنان الله عليك وتفضله وكرمه لك .


مجالات التطوع ..


ومجالات التطوع ليس لها حصر ، ولا مرجع لها إلا ما تراه أنت مما يصب فى اصلاح الأرض ويعمرها ، أو يدخل سرورا على قلب أخيك ، أو يخفف عنه بعض أحماله .
حتى تطوعك بالابتسام ، أو اماطة الأذى عن الطريق ، أو تعهدك لجاهل تعلمه أو طفل تقومه ، أو فقير تسعى فى حاجته ، أو مبتلى تشد أزره وتسانده .. ألوان من الخير كثيرة ، وأفعال قد تبدوا بسيطة ، لكن من يجعلها له أسلوب حياة يعيش به ، وطاقة خير لا تتوقف , ودائرة عطاء مستمرة ، هو الرابح الأكيد ، ويقينا سيعيش سعيد .

أخلاق التطوع :
ولما كانت مرتبة التطوع هى أعلى المراتب وأسماها ، كان ملازما لها أخلاقٌ هى من صميم فعلها ومرتبطة بها أوثق ارتباط وأغلظه ،
فمتى ارتقى الانسان ووصل لهذه الدرجة ، تراه ينأى بنفسه عن الصغائر ، ويسعى لتمام المنة ويستلذ بمشاعر النبل والخير الوفير التى تفيض عليه ، وتجعله مهما كان حاله يسعى للأفضل ، وينبو نحو القمة ويطلب العلى والرفعة فى كل أفعاله ، فهى أقوى دافع له وءاخذ بيده للمعالى ومنيط عنه سفاسف الأمور ،
وتلك لعمرى من أعظم مقاصد التطوع وأعلى ثمارها ، ولا يحوزها إلا من حقق فعلا أركان التطوع ، وأخلص العمل لربه ، وتغلغل حب العطاء بتلافيفه ، حتى بات لا يفكر إلا من خلاله ، ولا يعمل إلا بعد قياس هدفه ونيته من فعله .

وختاما لا أوصي أحدا بالتطوع للخير ,,
بلا أراه حقا على كل من من الله عليه بالعقل والفهم ،
فتلك شيمة الأنيباء 
وطريق الرسل 
وعبادة المقربين 
ومن سار على دربهم 
وطلب لنفسه الرفعة والكمال
ونافس نحو الجنان 

اللهم كما جعلتنا خلفاءا فى أرضك
استعملنا ولا تستبدلنا 
واجعلنا للمتقين إماما 
وافتح لنا طرق العطاء 
وخدمة المحتاجين 
واجعلنا على دربك سائرين 
ولعبادك نافعين 
ولأرضك مصلحين 
وفى طرق الخير متطوعين
اللهم ءامين

بقلم : د/ عبدالعلى على إسماعيل

No comments:

Post a Comment